مداخلة المستشارة القانونية في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الأستاذة إيمان البجاوي في إطار الأيام الدراسية التي نظمها المركز الافريقي لتدريب الصحفيين و الاتصاليين بالتعاون مع منظمة المادة 19  من 31 اوت الى 3 سبتمبر2016  حول النظام الاعلامي في تونس

حقوق الصحفيين بين الواقع والتشريع


رغم صدور اطار تشريعي خاصٌ ينظم نشاط الصحافيين وحقوقهم منذ سنة 1975 الا ان ذلك لم يكن كافيا للارتقاء بهذا الدور الى مستوى ممارسة سلطته الرقابية فقد غلب على مجلة الصحافة آن ذاك طابعها الزجري وضلت الى ما بعد الثورة سيفا مسلطا على الصحافيين. ولقد تغير الحال بعد الثورة اذ تمٌ سنٌ اطار دستوري وتشريعي جديد لاتزال تاثيراته على الواقع محدودة .

الجزء الاول

الاطار الدستوري والتشريعي لحقوق الصحافيين:

  • الاطار الدستوري:

  ضبطت فصول الدستور الجديد اهم المبادئ المتعلقة بحرية الصحافة في الفصول 31 و32 و49 فقد نص الفصل 31 “ان حرية الراي والفكر والتعبير والاعلام والنشر مضمونة لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات” كما نص الفصل: 32 على مايلي “تضمن الدولة الحق في الاعلام والحق في النفاذ الى المعلومة وتسعى الى ضمان الحق في النفاذ الى شبكة الاتصالات”
كما نص الفصل 49 على الاتي “يضبط القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستوروممارستها بما لا ينال من جوهرها.وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من اي انتهاك ولا يجوز لاي تعديل ان ينال من مكتسبات حقوق الانسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”،
وحيث بمقتضى الموجبات الدستورية المشار اليها انتقلت الحقوق الصحافية وحرية النشر والطباعة الى مبادئ فوق دستوري “لا يجوز لاي تعديل وردت على اطلاقها بالتالي تخص التعديل التشريعي والدستوري” ضرورة ان استعمال عبارة “لا يجوز لاي تعديل” فقد اعتبر ضمنيا ان التعديل الدستوري لا يمكنه ايضا ان يطال تلك الحقوق والمكتسبات.

  • الاطار التشريعي:

  من المعلوم ان اهم المكتسبات التشريعية في خصوص حرية الاعلام والصحافة تعلقت بالمرسومين 115 و116 .

أ – حقوق الصحافيين بالمرسوم 115:

تعرض الباب الاول من المرسوم الى تلك الحقوق فقد نص في فصله الاول على الحق في حرية التعبير مضمون ويمارس وفقا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وبقية المواثيق الدولية ذات العلاقة والمصادق عليها من قبل الدولة التونسية ** مثال: المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10-12-1948 : “لكل شخص الحق في التمتع بحرية الراي والتعبير” – المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجمعية العامة للامم المتحدة في 16-12-1966 ودخل حيز التنفيذ في 23-03-1976 ونصه ” لكل شخص الحق اعتناق الآراء دون مضايقة”.

كما نظم الفصل 2 ، 9 و10 من المرسوم حرية التعبير وحق النفاذ للمعلومات والاخبار والبيانات والاحصائيات وحرية تداول المعلومات وتكافؤ الفرص بين مختلف مؤسسات الاعلام في الحصول على المعلومات.

كما نظمت الفصول 11 و12و13 سرية المصادر وحمايتها من كل اعتداء مباشر او غير مباشر باستثناء تلك المتعلقة بامن الدولة او الدفاع الوطني او القضاء.

كما لا يجوز الاعتداء على الحرمة الجسدية والمعنوية للصحفي بسبب المعلومات التي لديه او التي ينشرها .

اما الفصل 14 فقد اضفى على الصحفي صفة الموظف العمومي عند الاعتداء عليه بالقول او الاشارة او التهديد (125 م.ج).

وقد اعلنت وزارة الداخلية منذ سنة تقريبا انها اعدت مشروع مدونة سلوك لضبط العلاقة بين قوات الامن الداخلي والصحافيين بالاعتماد على المواثيق الدولية وعلى ميثاق الشرف الصحفي واخلاقيات مهنة المحاماة المنصوص عليها بميثاق مينوخ المؤرخ في 25 -11-1971.وقد نص المشروع في توطئته ان حرية التعبير وحرية الصحافة هما من اهم الحقوق الاساسية الواجب توفرها في كل نظام ديمقراطي .

كما تضمن عدة منها:

  • الحرص على ضمان حرية عمل الصحافيين وسلامتهم  الجسادية  
  • الالتزام باجراءات امنية محددة تفضي الى تسهيل العمل الصحفي
  • ضمان تيسير عمل الصحوفيين في النفاذ الى المعلومات وفق ما يضبطه القانون.

غير ان هذا المشروع لايزال محل نقاش في جملة من النقاط واهمها:

  • امكانية اعوان الامن حجز معدات التصوير
  • كيفية التصرف عندما يعمد الصحافيون الى المساس بمبادئ حقوق الانسان او كرامة الغير.
  • اي تصرف من شانه المساس بالامن العام.

ويعد هذا المشروع نتاجا مباشرا للمرسوم 115 ولا بد من مواصلة متابعة الأعمال التي تخصه من قبل الهيئات التي تمثل الصحافيين.

  ب- حقوق الصحافيين بالمرسوم 116:

يضمن المرسوم حرية الاتصال السمعي والبصري وينضم ممارستها ويحدث هيئة تعديلية مستقلة للاتصال السمعي البصري(بالفصل 6) كما نص على ان حرية هذا الاتصال مضمونة وفقا للمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية (الفصول 5 و15 من المرسوم) ومن ابرزها دعم حرية التعبير وحمايتها.
من الجدير بالذكر ان هذا المرسوم مكن الهيئة من انتداب مجموعة من المراقبين المؤهلين وذلك من بين الأعوان المنتمين للصنف (أ).
وفي حالة علمهم بوقائع تمثل مخالفة للنصوص الجاري بها العمل كالممارسات المنافية للاحترام الواجب لشخص الانسان وكرامته وحماية الاطفال او اخلاقيات المهنة او باي خرق لمقتضيات كراس الشروط من قبل المنشآت صاحبة الاجازة، يعلم المراقب فورا بذلك رئيس الهيئة الذي يقرر التدابير الواجب اتخاذها بعد تداول الهيئة، بما في ذلك رفع الامر الى السلطات الادارية والقضائية والمهنية المختصة (الفصل 28).


ج- المرسوم عدد 41 حول حق النفاذ الى الوثائق الادارية للمؤسسات العمومية
نص في فصله 3 على حق كل شخص في النفاذ الى الوثائق الادارية ونص في فصله 17 على احداث خطة وسيط معلومات يمكن اللجوء اليه والتظلم امامه اذا رفضت الادارة تمكين الصحفي من وثائق مسموح بها قانونا.

د- القانون الأساسي لحماية المعطيات الشخصية المؤرخ في 27/07/2004مكن هذا القانون الباحثين التاريخيين والعلماء من حق معالجة المعطيات الشخصية والنفاذ اليها ودراستها ونشر الابحاث حولها واستثنى الصحافيين من هذا الحق.

  الجزء الثاني 

الحماية القانونية للصحافيين:

أ – الحماية الخاصة بالصحافيين: 3 انواع

  1. الحماية الجزائية:

عند حماية الصحافيين من الاهانة او التعدي عليهم بالقول او الاشارة او التهديد حال مباشرتهم لاعمالهم. ويشبه بالموظف العمومي ويعاقب المعتدي طبقا للفصل 125 م.ج.

  1. حماية المصدر:

حماية مصادر الصحفي الفصل 11 من المرسوم 115 وذلك عند قيامه بمهامه كحماية مصادر كل الاشخاص الذين يساهمون في اعداد المادة الاعلاميةحماية الصحفي من الظغوطات: عدم جواز تعريض الصحفي لاي نوع من انواع الضغوط من طرف السلطة

  1. بند الضمير:

يتمثل في حق الصحفي في مغادرة المؤسسة الاعلامية مع الحصول على تعويض مالي اذا حصل تغيير ملحوظ في صبغة او اتجاه الصحيفة او تغيير خطها التحريري اذا احدث هذا التغيير حالة من شانها المس بشرف الصحفي او سمعته او مصالحه الادبية (الفصل 400 م.ش).

  ب- حدود الحماية عند التتبعات ضد الصحافيين:

الحدود تنبع خاصة من تعدد النصوص الجزائية في العديد من القوانين والمجلات الاخرى وحتى ضمن المرسوم 115.

ان قائمة الجرائم والمخالفات التي يمكن ان تنشر للصحافيين طويلة وهي موزعة حاليا على عديد النصوص القانونية والمجلات مثل المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات وقانون حماية المعطيات الشخصية ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وقانون حالة الطوارئ وكذلك المرسوم 115.

يمكن للصحفي ان يلاحق قضائيا من أجل عديد التهم : مثال: مخالفة حالة الطوارئ طبقا للفصل 7 من امر26/01/1978 .


فبعد الثورة اعلنت حالة الطوارئ واصبح يتم تجديدها كل 3 اشهر وذلك طبقا للامر عدد 49 المشار اليه. نص الفصل 7″ يمكن لوزير الداخلية بكامل التراب التونسي والوالي ان يامر بتفتيش المحلات بالنهار وباليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ. وان تتخذ فيها كل الاجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل انواع المنشورات وكذلك البث الاذاعي والعروض السينيمائية والمسرحية”.

كما يمكن ملاحقة الصحفي من اجل تعمد الاساءة الى الغير او ازعاج راحتهم عبر الشبكة العمومية للاتصالات او من اجل جريمة احالة المعطيات الشخصية او نقلها الى بلاد اجنبية اذا كان من شان ذلك المساس بالامن العام او بالمصالح الحيوية للبلاد طبق الفصلين 50 و86 من قانون حماية المعطيات الشخصية.مثال احالة زهير الجيس وسالم زهران والمدير المسؤول عن اضاعة اكسبرس اف.ام بعد ان تدخل الاذاعي البناني سالم زهران في برنامج بعد نظر حول حصول المرزوقي على مبالغ مالية كراتب من دولة قطر مقدر بــ50 الف دينار.

جريمة تحقير الجيش والمس من كرامته او سمعته او معنوياته بوسائل النشر والطباعة والصحافة طبقا للفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية (ايوب المسعودي ، الصحافي الغانمي بالمحكمة العسكرية بصفاقس).
جريمة المشاركة في العصيان باعلامات او مطبوعات: 121  من المجلة الجزائية.مثال احالة الطاهر بن حسين صاحب قناة الحوار التونسي في 14 ماي 2013

جريمة نشر او ترويج مؤلفات محجرة طبق الفصل 121 مكرر.عرض على العموم نشرات اجنبية المصدر او غيرها من شانها تعكير صفو النظام العام او النيل من الاخلاق الحميدة الفصل 121 ثالثا.(مثال قضية مدير التونسية اثر نشر صورة لاعب كرة قدم تونسي مع خطيبته شبه عارية بالصفحة الاولى).

الاعتداء علنا على الاخلاق الحميدة او الآداب العامة بالاشارة والقول الفصل 226 مكرر م.ج.

الدعوى باي وسيلة كانت الى ارتكاب جرائم ارهابية الفصل 12 من قانون مكافحة الارهاب 2003 جريمة الاشادة بالارهاب.

التحريض على ارتكاب جرائم القتل والاعتداء على الحرية الجسدية او الاغتصاب بواسطة المطبوعات او الصور الفصل 50 مرسوم 115 مثال: احالة الطاهر بن حسين في 14/05/2013 تحت عنوان انه يدعو الجيش الى العصيان وتكوين ميليشيات لقتل الغنوشي والعريض.

جريمة الدعوى الى الكراهية بين الاديان الفصل 52 مرسوم 115

ثلب الاشخاص الفصل 56 مرسوم 115نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية الفصل 61 مرسوم 115.

نشر اخبار زائفة من شانها النيل من صفو النظام العام (الفصل 54 مرسوم) شكاية المدير العام للمصالح المختصة الزواري ضد الطاهر بن حسين في 27 -02-2012.

جريمة الفصل 128 م.ج نسبة امور غير قانونية لموظف عمومي عن طريق النشر والطباعة شكاية وكيل جمهورية تونس ضد زياد الهاني في 2012.

اضافة الى بزجر الاعتداء على قوات الامن الداخلي والقوات المسلحة العسكرية الذي صادقت عليه الحكومة حاليا وسيدرج في القريب العاجل بجدول اعمال مجلس النواب.

بهذا المشروع اعتداء صارخ على حرية التعبير فهو يسمح لسلطة التتبع بتقدير حر لاي موقف فكري او نقدي وتصنيفه كتحقير للامنيين والعسكريين فتصبح المؤسسة الامنية متعالية على الشعب التونسي وغير قابلة البتة لاي رؤية صحافية تقييمية او نقدية.(جريمة موجبة للعقاب 2 سنتين سجن).كما ان فصوله 12و13 و15 و17 يبيح القتل باي تجمهر دون ان تترتب مسؤولية جزائية للاعوان ويتعارض بذلك مع التدرج في استعمال العنف المنصوص عليه بالقانون عدد 4 لسنة 1969 المنظم للتجمهر والمظاهرات والمواكب.

الجزء الثالث

نحو تحديد استراتيجية دفاعية للصحافيين:

امام اتساع الاجراءات الجزرية تشريعا وواقعا ضد الصحافيين لم يتوصل الصحافيون بعد الى تحديد رؤيا استراتيجية دفاعية جماعية ومضبوطة تنفذ بقطع النظر بقطع النظر عن الظروف والملابسات.وتزداد الحاجة الى هذه الاستراتيجية وضوحا امام تعدد الانتهاكات وتنوعها خاصة وان نجاح الثورة التونسية وجودا وعدما صار معلقا على مآل تكريس حرية الصحافيين من عدمها.

فلقد صار واضحا اليوم ان معركة الاعلام وحريته هي الجدار الاخير الذي تتقاتل حوله القوى الديمقراطية والتقديمة خوفا من الرجوع الى الماضي.ويشترط لنجاح الرؤيا الاستراتيجية الدفاعية ان تكون:

  1. جماعية: يتمسك بها كل صحفي منفردا عند تتبعه
  2. مقررة من طرف هياكل المهنة
  3. تتحول الى موقف اعلامي تتم الدعوى اليه والدفاع عنه عبر كافة وسائل الاعلام.

اما مضمون هذه الرؤيا الاستراتيجية فيتمثل فيما يلي:

  1. امام اعوان الضابطة العدلية شرطة وحرس في المراكز: يخول القانون التونسي استعمال حق الصمت والامتناع عن امضاء المحاضر خاصة وان هذه المحاضر يتم فيها في العادة نسبة اقوال او افعال لم تصدر على الصحفي بالاضافة الى انها لا تتم من طرف الباحث في اطار النزاهة المفترضة في آدائه لدوره وفي ذلك ضمانة اساسية عند وصول الملف الى المحكمة او امام التحقيق وهو ما يمكن الصحفي من تدقيق موقفه مع لسان الدفاع ليكون سليما من الناحية الاجرائية ولا يتضمن اعترافات مزورة.
  2. لتبرير تمسكه بالصمت وامتناعه عن الامضاء يتمسك بضرورة حضور محامي معه امام باحث البداية .
  3. الامتناع عن الحضور امام اعوان الامن اذا لم يوجه استدعاء كتابي الى الصحفي

او اذا كان الاستدعاء خاليا مما يشير الى التهمة والنص القانوني المنطبق عليها وهي العادة ففي ذلك مخالفة للفصل 135 م.ج ومن حق الصحافي الامتناع عن الحضور

  1. امام التحقيق والمحاكم الامتناع بكل وضوح عن الجواب على اي سؤال يوجه الى الصحفي في علاقة بنصوص جزائية خارج المرسوم 115 استنادا الى مبدا الخاص يقدم على العام.

لاتزال حقوق الصحافيين الى اليوم مهددة من ناحية بكثرة الجرائم التي يمكن نسبتها لهم من جهة وبالتراجع النسبي في مجال الحقوق والحريات من جهة اخرى.بالاضافة الى وجوب التفكير في اليات لحماية حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية نظرا لارتفاع نسبة الطرد التعسفي الجماعي الذي يتعرض له الصحافيات والصحافيين من مؤسساتهم الاعلامية ومؤجريهم.