شاركت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في الندوة الدولية حول “مستقبل وكالات الأنباء العربية:مقومات الاستمرارية وتحديات الجودة” والتي دارت بالحمامات يومي 19 و 20 سبتمبر الجاري وقد قدم عضو المكتب التنفيذي للنقابة خميس العرفاوي مداخلة في إحدى جلساتها، هذه أهم عناصرها :

مقتضيات صحافة الجودة

1)عموما تتأسس صحافة الجودة على عناصر أساسيّة:

  • *جودة المضامين من خلال تقيدها بالضوابط المهنيّة المعروفة دوليّا
  • *تشريعات تضمن  الديمومة الإقتصاديّة وإستقلالية الحوامل الإعلاميّة، مثلما تضمن الإستقرار المهني والمادي للعاملين فيها
  • *كفاءة الكادر الإداري والصحفي
  • *التلاؤم مع تكنولوجيا الاتصالات بما تفرضه من أشكال صحفيّة جديدة
  • *أوضاع سياسيّة عامة تسمح بهوامش واسعة لممارسة المهنة الصحفيّة بكلّ حريّة

2) ولأنّ جملة من هذه القضايا طرحت في اليوم الافتتاحي ويطرحها زملاء آخرون هذا اليوم، فإنني سأركّز على محوران أساسيان أعتبرهما المؤطران الحقيقيان لصحافة الجودة وهما:

  • *التوجهات المضامينية الكبرى
  • *دور الحريّة في دعم صحافة الجودة

على أن أربط هذان العنصران بالتغيرات السياسيّة الحاصلة في المنطقة العربيّة على خلفيّة ما سمّي ربيعا عربيا خاصّة أنّ المهنة الصحفيّة هي تاريخها بما يعني إرتباطها الوثيق بالسيرورة السياسيّة والإجتماعيّة للمجتمعات والأفكار الكبرى السائدة فيها

1) على مستوى المضامين لا يمكن النأي بأيّ حال من الأحوال على التعاطي مع أهداف المرحلة الإنتقاليّة من خلال الإنفتاح وإسناد التطلعات الكبرى لشعوب المنطقة نحو التحرر والديمقراطيّة والمواطنة بما يعنيه من تحديد الأولويات التحريرية التالية:

  • *ضمان تمثيل عادل لمكونات المشهد السياسي في وسائل الإعلام وأساسا في المرفق العمومي
  • *مكافحة الفساد
  • *دعم مسار العدالة الإنتقاليّة (من الأشكال الصحفيّة التي تتلاءم مع هذا المحور البورتريهات، القصص الإنسانيّة…)
  • *الحقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي كانت منطلق الربيع العربي
  • *التعاطي مع قضايا الإرهاب والنزاعات المسلحة وخطابات الكراهيّة (مرصد للإخلالات المهنيّة في علاقة بالموضوع إشتغل على 19 وسيلة إعلام، وأصدر تقارير في الصدد وساهم في تطوير مدونات تحرير ية)
  • *قضايا النوع الإجتماعي على اعتبار أن لا تحرر  مجتمعي دون حماية حقوق النساء (بما يعنيه من وضع وتطوير مدونات سلوك في الصدد)

غير أنّ هذه المقاربات لا يجب أن تجعلنا فريسة للبروبغندا السلطويّة وطرق تعاطيها السياسويّة مع هذه القضايا خاصة أنّ مقاربتنا للموضوع تفترض تأسيس نظام إعلامي جديد يقوم على الإستقلالية والحرية والمسؤوليّة

2) على مستوى الحريات الصحفيّة أكد تاريخ المجتمعات أنّ الصحافة الأخلاقيّة لا تينع إلا في مناخات الحريّة لذلك عملت الهيئات المهنيّة والحقوقيّة والصحفيّة على إيلاء هذا الموضوع أهميّة قصوى طيلة السنوات الماضية بما يعنيه من إشتغال على تطوير التشريعات المحليّة الضامنة لممارسة المهنة بكلّ حريّة، والتصدي لكلّ الممارسات الضارة في هذا المجال، وتقديم الدعم القانوني للصحفيين وتدريبهم على مجابهة التحديات في هذا المجال.

لكن عربيا كنّا في حاجة إلى وثيقة مؤسسية في هذا الإتجاه توحدّ مجهود الصحفيين العرب بشكل يتلاءم مع التغيرات في المنطقة وحاجيات العاملين في القطاع بما لا يتعارض مع المعايير الدوليّة في الصدد.

وكثيرا ما تمثل الوثائق المرجعيّة الكبرى تحولا فكريا وفلسفيا قادرا على إدارة التغيير.

ويمكن أن نعتبر الإعلان العربي لحريّة الإعلام الوثيقة المرجعيّة الأكثر تطورا في التاريخ العربي المعاصر والتي يمكن للزخم الذي يمكن أن تنتجه في السنوات القادمة ان يؤسس لنهضة مضامينية حقيقية في الإعلام العربي

وقد انطلق العمل على هذه المبادرة منذ أكتوبر2014 من قبل الإتحاد الدولي للصحفيين بالشراكة مع النقابات والمنظمات الصحفيّة العربيّة ،وقد تم من أجل ذلك تنظيم سلسلة من الاجتماعات التشاورية في عديد الدول العربيّة شاركت فيها قيادات صحفية، وخبراء دوليين، ومدافعين عن حرية الاعلام، وممثلين للهيئات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وممثلين عن وسائل الإعلام.

وكانت قيادات صحفية وحقوقية ومنظمات مجتمع مدني عربيّة قد تبنّت “الإعلان حرية الإعلام في العالم العربي” في لقاء كبير انتظم بالمغرب في ماي الماضي.

ولقد كانت فلسطين وتونس من اول البلدان التي أمضت على هذا الإعلان الذي من المنتظر أن يُمضى في بقية البلدان العربيّة

ولقد جاء الإعلان في  3  أجزاء  هي:

  • *المبادىء العامة
  • *القيود على المحتويات الإعلاميّة
  • *تنظيم وسائل الإتصال

كما إحتوى 16 مبدء هي :

  • *نطاق حق حرية التعبير وطبيعته
  • *حق الحصول على معلومات
  • *السلامة الإعلامية
  • *الوعي
  • *التدابير الجنائية
  • *حماية السمعة
  • *حماية الخصوصيّة
  • *خطاب الكراهية والتعصب
  • *الأدوار المختلفة للأطراف الفاعلة في قطاع الإعلام
  • *الصحفيون
  • *الإعلام العمومي
  • *تنظيم الصحافة المطبوعة
  • *تنظيم الإعلام المرئي والمسموع
  • *تنظيم الإنترنيت
  • *الشكاوى والتنظيم الذاتي
  • *المساواة

ويلاحظ ان نقاشات إضافيّة ستجرى طيلة الأشهر القادمة من أجل تأسيس آلية المقرر العربي الخاص بحماية حريّة الصحافة يُمكن أن تعطي هذا الإعلان صبغته التقريريّة

خاتمة:

إنّ قضية صحافة الجودة هي قضيّة مجتمعيّة بالأساس يتقاطع في المهني بالسياسي والإقتصادي والتشريعي، لكنّها تصان وتتأطر أساسا داخل مؤسسات الإعلام من خلال تطوير النقاشات وتأطيرها داخل غرف الأخبار وفي عديد المسالك الأخرى وهو ما لا نجد له صدى كبيرا داخل وسائل الإعلام العربيّة بما فيها الوكالات مما من شأنه أن يشوّه الجانب التفكيري المنشود للصحفيين في تلك المؤسسات