أحيت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين اليوم الأربعاء 02 نوفمبر الجاري و بالشراكة مع عدد من المنظمات الوطنية والدولية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في تونس، اليوم العالم لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
وقد شارك في اللقاء رئيس الحكومة وممثلين عن وزارتي العدل والداخلية، وثلة من الصحفيين والمحامين والقضاة، ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في مجال تعزيز وحماية حرية التعبير.

كلمة نقيب الصحفيين ناجي البغوري في افتتاح اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين

تونس في: 02- 11-2016

السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية
السيد ديميتير شاليف ممثل المفوض السامي لحقوق الانسان بتونس، المنسق العام بالنيابة للأمم المتحدة بتونس
السيد رامي الصالحي مدير مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان
السيد توفيق بودربالة رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية
السيد ويليام ماسولان: رئيس مكتب مجلس أوروبا بتونس
السيدات والسادة ممثلي منظمات المجتمع المدني وممثلي وسائل الإعلام
السيدات والسادة ممثلي المنظمات الوطنية والدولية والاممية
الزميلات والزملاء
الضيوف الكرام

حوالي 800 صحفي وصحفية قتلوا خلال العشرة سنوات الماضية وخلال هذا العام فقط فقد 66 صحفيا حياتهم أثناء ممارسة مهنتهم، حسب الاتحاد الدولي للصحفيين.
واحد فقط من كل عشرة قتلى هو موضوع التحقيق. لا نتحدث هنا عن الاعتداءات غير القاتلة ضد الصحفيين، فالصورة ستصبح أكثر قتامة.
والحكومات لا تقوم بواجباتها لملاحقة مرتكبي التحرش والاعتداءات والقتل ضد الصحفيين، وهي لا تريد أن تدرك أن الإفلات من العقاب لا يهدد الصحفيين فقط بل يهدد الديمقراطية ويقوض الآمال في السلام والتنمية.

السيدات والسادة:

لقد أكدت التجربة أن الإفلات من العقاب غالًبا ما يكون عامل هام في تفاقم الصراع وإنهيار النظم القانونية والقضائية. إضافة إلى الأضرار الناجمة عن الإفلات من العقاب على مجتمعات بأكملها وذلك من خلال حرمانها من كشف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة.
كما أكدت التجربة أنه كلما جرى تمكين مجرم من الإفلات من العقاب على جرمه تجاسر غيره من المجرمين واستفحل شرهم، وأدّى ذلك إلى إيجاد دوامة عنف لا سبيل إلى الخروج منها.
لقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 02 نوفمبر 2013 بمناسبة مرور عام على مقتل صحفيين فرنسيين في مالي، إعلان هذا اليوم من كل سنة، يوما دوليا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين
و هو إجراء يعد ا مكملا لخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب التي أقرها مجلس الرؤساء التنفيذيين في منظومة الأمم المتحدة للتنسيق في أفريل 2012، حيث دعت وكالات الأمم المتحدة الصناديق والبرامج للعمل مع دول الأعضاء لإيجاد بيئة حرة وآمنة للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام في حالات النزاع وعدمه، وذلك بهدف تعزيز السلام والديمقراطية والتنمية في جميع أنحاء العالم.
لن يكون هناك مجال لحرية الصحافة عندما يخشى الصحفيون من البطش والقتل والاختطاف ولن يكون الصحفيون بأمان حين يرون المجرمين أحرارا يتمتعون بالحماية ويضمنون بفضل نفوذهم وأموالهم تطويع العدالة وصمت السلطة التنفيذية

الصديقات والأصدقاء:

أننا نكون منصفين لشعبنا ولبلادنا حين نقول أنّ حرية التعبير والصحافة هي أهم مكسب تحقق من ثورة الكرامة والحرية والعدالة، وحين نردد أننا نملك دستور تقدميا يحمي الحريات ويضمن النفاذ إلى المعلومة، وحين نقول أننا نحوز على قوانين ومراسيم تماهي مثيلاتها في أعتى الديمقراطيات
كما أننا لا نجانب الصواب حين نؤكد أنّ الاعتداءات على الصحفيين لم تعد لا ممنهجة ولا مؤسساتية، وأنّ حالات الإفلات من العقاب في الجرائم ضدّ الصحفيين ذات العلاقة بالحريات ليست بالكثرة والتنوع، وإن كنا لا ننفي تواصلها.
غير أنّ نوعا جديدا من الإعتداءات على الصحفيين بات تطغي طيلة السنوات الماضية وباتت تشكل تهديدا خطيرا على المهنة والحريات والإنتقال الديمقراطي برمته، وهي الهجوم السافر وغير المسبوق على الحقوق المهنية للصحفيين على غرار التشغيل الهش، والصيغ التعاقدية غير القانونية والطرد التعسفي والجماعي، حيث سجلنا في سنة واحدة أكثر من 300 طرد لصحفيين وأكثر من 160 إعلام بعدم خلاص أجور إعلاميين في وقتها,

إنّ التبريرات التي يقدمها البعض لهذه الظاهرة على غرار تأثر قطاع الإعلام بالأزمة الإقتصادية وضيق سوق الإشهار لا يمكن إلا أن تخفي إستهتارا بالمجهودات الصحفيّة، وتدفيعا للمهنيين لأزمات ليسو مسؤولين عنها، وتشريعا لبلطجة بعض رجال المال الذين إخترقوا القطاع ويحاولون تجييره لخدمة أجندات لا علاقة لها بالمهنة.
إنّ العمل المضني والحرفي لصحفيينا بات يقابل بنكران فضيع، وبتبضيع مهول يحيل العشرات منهم بجرة قلم على عالم التهميش والتفقير مثلما يحدث أخيرا في راديو كلمة وشبكة تونس الإخبارية وجريدة التونسية وقناة تونسنا وعدة مؤسسات إعلامية أخرى في ظلّ تباطؤ المؤسسات الرقابيّة والبطؤ المهول في إجراءات التقاضي وتملّص الحكومات المتعاقبة من لعب دورها الإجتماعي في دعم الإعلام والعاملين فيه.
إنّه بدون صياغة إتفاقيات قطاعية مشتركة جديدة، وتفعيل إرادة إلزام المؤسسات الإعلامية باحترام كامل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للصحفيين، وبعث وكالة وطنية للإشهار يراعى في توزيعها إحترام الحقوق المادية والمعايير الأخلاقيّة على أنقاض الزبونية والسياسويّة، وإستعجال الحكومة في الدعم المباشر للقطاع الصحفي وللخدمات الإجتماعيّة للصحفيين، لن تقوى المهنة على الدفاع عن نفسها وعن جمهورها وعن القضايا النبيلة التي وجدت من أجلها.
إننا نخيّر في أغلب الأحيان على مناقشة هذا الوضع مع كل شركائنا بما فيهم الحكوميين، وإيجاد حلول جماعيّة له بما يتناسب مع حقيقة الوضع العام في بلادنا، دون أن نغفل عن حقنا في الدفاع عن المهنة والمهنيين بكل ما أوتينا من الطرق النضاليّة.

الصديقات والأصدقاء:

إنّ ظاهرة أخرى لا تقلّ خطورة عمّا سبق، وباتت تهدّد المهنة الصحفية وحرية التعبير والصحافة في العمق وهي تسلل المال الفاسد إلى قطاع الإعلام ، ليس فقط من أجل خدمة أجندات شخصية ومالية وسياسيّة، ولكن أيضا من أجل تدجين الصحفيين وتبييض الفساد والإرهاب والكراهية والتكفير، وتحويل بعض المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى أجهزة للإبتزاز والتمعش تحت غطاء حرية الرأي والتعبير.
والأغرب أنّ كل ذلك يحصل في ظلّ حماية من أجهزة في السلطة التنفيذية والقضائيّة، وفي ظلّ أفلات أصحابها من كلّ محاسبة ومسائلة.
إنّ بعض هؤلاء مازال يتبجح بصداقته لزعامات إرهابيّة وميليشيات مسلحة، ويقيم لها المنابر الإعلامية ويسير لها القوافل والزيارات أمام صمت الدولة المريب.
إن كل المجهودات التي تبذلها الهياكل المهنية والهيئات التعديليّة، ومراكز التكوين والتدريب في الأخلاقيات المهنيّة باتت تنسفه دكاكين محسوبة على الإعلام على غرار الثورة نيوز والمساء والسور والتي يتبجح أصحابها بسطوتهم وقوتهم وسلطتهم، مما أدخل الشك في صفوف التونسيات والتونسيين واقنع الكثيرين أن بعض أصحاب وسائل الإعلام من رجال المال الفاسدين أقوى من الشعب والدولة والحكومة.
إن عشرات الشكاوى التي ترفع ضد هؤلاء وغيرهم في كثير من المحاكم التونسيّة تظل في كثير من الأحيان حبيسة أدراج المكاتب، كما لا تجد أحكاما بالإدانة طريقا للتنفيذ، في حين تحجم النيابة العموميّة على الفتح الطوعي لشكاوى في حقّ بعضهم رغم خطورة الجرائم التي يأتونها مّما يدفع للتشكيك في منظومة العدالة في بلادنا في وقت نحتاجها أكثر عافية للعب دور محوري في مرحلة الإنتقال الديمقراطي.

السيدات والسادة:
إنّ فرادة ثورتنا ونقاوتها لا تليق بها إطلاقا جميع صنوف التهديدات لحرية الصحافة والتعبير المذكورة آنفا، وإنّ سلاسة الإنتقال الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا طيلة السنة الست الأخيرة لا تشرفها جملة الممارسات الإجرامية التي تلحق بالصحفيين وبحقوقهم ، ويبدو أننا أمام مشوار طويل في التصدي لأعداء حرية الصحافة لن تكفي معه فقط عشرات بيانات التنديد، وقوائم أعداء حرية الإعلام، والوقفات الإحتجاجيّة والإعتصامات والإضرابات، مثلما لن تنفعه فقط تصريحات الطمأنة الحكوميّة ورزمة القوانين النوعيّة.
إنّ تضامن أهل المهنة، وتكاتف قوى المجتمع المدني، وإسناد الهيئات الوطنية والدوليّة والأممية بات اليوم أكثر إلحاحا من أجل المساهمة في بناء صحافة حرة ومستقلة ومتنوعة وأخلاقيّة

الصديقات والأصدقاء،
لا يسعنا إلا أن نختم بتوجيه تحية إكبار لزميلينا سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا منذ 08 سبتمبر 2014 ، ونؤكد لهم أنهم في العين والقلب والفكر مهما طال العمل على كشف الحقيقة في إختفائهما، وأنّ جلاديهم لن يهنؤوا مطلقا بجريمتهم النكراء مهما كانت طبيعة القوى التي تمنح لهم الغطاء السياسي والعسكري، ونقول لهم أن محنتهم/محنتنا تعطينا دوافع أكبر للمضي بأكثر جرأة وحزم قوة لاقتلاع الإفلات من العقاب في بلادنا.

السيد رئيس الحكومة، ضيوفنا الكرام
مرحبا بكم مرة أخرى معنا وبيننا