تونس في 10 ماي 2024
تتابع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين موضوع المهاجرين غير النظاميين في تونس كقضية رأي عام بامتياز، وقضية مركبة يتقاطع فيها الاجتماعي والإنساني والأمني ويتداخل فيها الوطني والإقليمي والدولي، ويهمها إبداء الآتي:
* إنّ هذه الأزمة خلقت حالة من الرعب و الهلع لدى المواطنين تغذيها بشكل أساسي موجة كبيرة من الأخبار المضلّلة والخاطئة والمزيفة التي تكاد تمثل حملات تضليل معلوماتي منظمة وحملات دعائية هدفها الأساسي التلاعب بعواطف التونسيين ومنعهم من الاطلاع على مجريات الأمور وأبعادها المختلفة وسياقاتها الدولية والإقليمية والوطنية والمحلية.
وفي هذا الإطار فإن المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة على السواء التي تتمتع بالموارد العمومية من واجبها تقديم خدمة إخبارية تساهم في توفير المعلومات الضرورية حتى يتمكّن الرأي العام والمجتمع من الاطلاع بشكل كامل ودقيق وعقلاني على كل أبعاد هذه الأزمة.
* إن الوضع الحالي وما يكتنفه من احتقان واضطراب وتضليل وتلاعب بالرأي العام يحتم أن تؤدي الصحافة أدوارها كاملة حتى لا تتحول إلى خدمة دعائية تغذي التونسيين بالأوهام في موضوع حيوي. إن الصحافة التي تخدم مصالح البلاد والمجموعة الوطنية هي بالضرورة تلك التي ترعى حق التونسيين في معرفة حقيقة ما يحصل اليوم في بلادنا والاطلاع على مجريات الأمور كاملة.
* خطورة المقاربة الاتصالية للحكومة القائمة على الصمت وعلى الامتناع عن تزويد الصحافة والمؤسسات الإعلامية بالمعطيات التي تحتاجها للتعاطي مع هذه الأزمة، لا بل يبدو وكأنّ الحكومة ترى من واجباتها عدم إعلام الرأي العام بما يحصل في البلاد من تطورات تقدمها على أنها مخاطر أمنية وسياسية.
*إذا كان من حق المواطنين الاطلاع على كل ما يتعلق بموضوع الهجرة غير النظامية، فإنّ هذا الحق لا يمكن تحقيقه في سياق حالة الضبابية في كل ما يتعلق بمسألة الهجرة غير النظامية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة على بلادنا.
*على أهمية دعوة نواب مجلس الشعب لإرساء لجنة برلمانية لتقصيّ الحقائق في موضوع الهجرة غير النظامية، غير أن هذا المجهود الهام تهدده تصريحات بعض النواب الذين يعتمدون أسلوب التضليل الإعلامي لتعزيز حالة الهلع لدى المواطنين لغايات إنتخابوية محضة وللتمتع بفرص الظهور الإعلامي على حساب السلم الاجتماعي.
أمّا فيما يتعلق بالمعالجة الإعلامية، فقد رصدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عددا من الإخلالات في التغطية الصحفية لأزمة المهاجرين غير النظاميين يرتقي بعضها إلى انحرافات صحفية، ولا يفوتها أن تشير إلى الإخلالات المهنية التالية:
* تعمدت بعض وسائل الإعلام عدم الاهتمام بالحدث الجلل وعدم إيلائه ما يستحق من المعالجة الإخبارية في برمجتها، بل واصلت بثها لبرامج ترفيهية ومقاطع فكاهية لا تتلاءم مع سياق الحدث وطبيعته رغم تقديمه على أنه أزمة خطيرة ذات أبعاد وجودية بالنسبة إلى المجتمع التونسي.
* على الرغم من خطورة الأزمة الحالية التي تصاحبها ظواهر خطيرة على الصعيد الإنساني والاجتماعي والسياسي فإن بعض المؤسسات الإعلامية اكتفت بتغطية تقليدية تتمثل في برامج حوارية لا قيمة إخبارية حقيقية لها في هذه القضية خاصة في غياب التحقيقات الميدانية والمعطيات الموثوقة والإحصائيات التي تجيز التحليلات والتعليقات التي يغلب عليها التحريض ونشر الأخبار الزائفة والتضليل، ويقوم أغلبها على استعادة لمنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي دون أي تثبت أو معالجة، وفُتح فيها المجال لغير المختصين في قضايا الهجرة والأمن واللجوء لاستعراض أساليب الدعاية والتوجيه، كما تم الاعتماد في أغلبها على وجهة نظر وحيدة وهي وجهة النظر الرسمية في تعارض مع مبادئ المهنة الصحفية وأسسها.
* التحريض في برامج حوارية على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة بشكل يهدد سلامة العاملين فيها على أساس اتهامات لا تقوم على أية معطيات فعلية أو وقائع مادية.
*رغم جدّية الهيئات الصحفية في الإعلام العمومي للتعاطي المهني والأخلاقي مع الأزمة لكن أداء الإعلام العمومي بشكل عام لا يستجيب إلى مقتضيات السياق الحالي وما يتطلبه من تعبئة كاملة للإمكانات لتقديم خدمة إخبارية متكاملة تتمثل في تحقيقات ميدانية وروبورتاجات وتفسير. ولا شك أن خدمة التحري في الأخبار الزائفة هي ضرورية جدا اليوم حتى يتمكّن الإعلام العمومي من القيام بدوره في إنارة الرأي العام.
وبناء على ذلك تذكر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين منظوريها بواجباتهم تجاه المهنة والرأي العام بخصوص التعاطي الإعلامي مع قضية المهاجرين غير النظاميين على غرار:
– السعي إلى الحقيقة مثلما ينص على ذلك المبدأ الأول من ميثاق شرفهم بالعمل على إبلاغها إلى الرأي العام في إطار حقه في النفاذ إلى المعلومة، وأن يلتزم الصحفي بالدفاع عن قيم المساواة بين الجنسين وبعدم التمييز وبالدفاع عن الحريات الفردية والعامة.
– إنارة الرأي العام بإعطاء خلفية للتونسيين/ات لفهم الأحداث والسياقات المتعددة والمركبة التي تفسر ظاهرة الهجرة غير النظامية ونتائجها على تونس. فقضايا المهاجرين غير النظاميين من القضايا المركبة والمعقدة تحتاج إلى التفسير وإلى مقاربة تتعاطى معها من زاوية الاهتمامات الإنسانية سواء كانت اهتمام التونسيين أو اهتمامات المهاجرين غير النظاميين. فمهنة الصحافة لم تكن أبدا التحريض على التنكيل بالناس وشيطنتهم واحتقارهم والتلاعب بمشاعر المواطنين.
– مطالبة المؤسسات الحكومية المعنية بقضية الهجرة غير النظامية بالنفاذ إلى المعلومات التي تحتكرها للقيام بواجباتهم، وإبلاغ النقابة بكل العراقيل التي يضعها المسؤولون لمنعهم من أداء واجبهم المهني.
– إنّ أداء مهنتهم يستوجب عليهم اليقظة الكاملة والتحري فيما ينشرون وعدم اللهث وراء مضامين الإثارة في موضوع حساس إنسانيا ومجتمعيا واعتماد الدقة. فالمهاجر غير النظامي هو غير اللاجئ. كما لا يجب أن يخشى الصحفيون إعلام الرأي التونسي بالمعاهدات الدولية التي التزمت بها تونس في مجال الهجرة واللجوء.
فقضية الهجرة غير النظامية هي كذلك قضية متعددة الأبعاد اقتصادية وجيوسياسية واجتماعية وأمنية لا يمكن للمجتمع التونسي أن يدركها دون المضامين الجدية التي يجب أن توفرها الصحافة التونسية والتي تسمح للمواطن التونسي بفهم واجبات الدولة إزاء المهاجرين غير النظاميين.
– ضرورة أن تخضع التغطية الإعلامية لقضية الهجرة غير النظامية إلى مقاربة قائمة على التوازن تُعطى الكلمة فيها لكل الفاعلين بما في ذلك المجتمع المدني المعني بهذه المسألة والذي تحول إلى كبش فداء لدى المعلقين المروجين لصحافة من طراز جديد وقودها التلاعب بمشاعر المواطنين وتغذية الأحقاد، وغايتها التمويه حتى لا يسائل المواطنون المسؤولين عما آلت إليها الأوضاع.
كما يهمّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنّ تذكّر المواطنين والمواطنات الذين ينتقدون الصحافة، في إطار حقهم المشروع والضّروري، أن يدركوا أن الصحافة في الأزمات هي في خدمتهم وليست في خدمة الدعاية الحكومية التي لها من الموارد ما يكفي حتى تخاطب الرأي العام التونسي بنفسها.
ولا بد للمواطنين أن يعلموا أيضا أن الصحافة المتقيدة بالأخلاقيات المهنية يجب أن تلتزم دائما بالمبادئ التي جاءت في المواثيق المهنيّة، تلك التي يقوم عليها احترام الصحفيين لأنفسهم ولمهنتهم وخاصة في الميثاق الدولي للصحفيين الذي ينص على المبادئ التالية التي وجب التذكير بها:
“احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة هذه الحقيقة هي مسؤولية الصحافي/ة الأولى”. (المبدأ الأول)
“على الصحافي/ة التأكد من أن المعلومات والآراء التي ينشرها لا تساهم في تعزيز الكراهية والترويج للصور النمطية، وعليه أن يبذل اقصى جهده لتحاشي تسهيل نشر التمييز القائم على الأصول الإثنية أو الاجتماعية أو الجغرافية، أو العرق، أو النوع الاجتماعي، أو التوجه الجنسي، أو اللغة، أو الدين، أو الإعاقة، أو الرأي السياسي أو أية آراء أخرى” (المبدأ التاسع).
“على الصحفيات والصحفيين الذين يستحقون حمل اسم المهنة واجب الالتزام بإخلاص بالمبادئ الواردة بالإعلان العالمي لأخلاقيات المهنة للصحفيين ويجب عدم إجبارهم على ممارسات، أو أن يعبروا عن رأي يناقض قناعاتهم المهنية وضميرهم”. (المبدأ 15)
النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين