تونس في 3 ماي 2025

نقابة الصحفيين في مواجهة انهيار النظام الإعلامي التونسي

 

تصدر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 ماي من كل سنة، تقريرها السنوي للحريات الصحفية في تونس للفترة الممتدة من أفريل 2024 إلى أفريل2025. ويأتي هذا التقرير في مرحلة تعيش فيها البلاد أزمة حادة على مستوى الحريات العامة وخاصة حرية الصحافة والتعبير.

لقد تواصلت، خلال هذه الفترة، محاكمات الصحفيين/ات خارج إطار القانون المنظم لمهنتهم، واستسهال القضاء إصدار الأحكام السالبة للحرية وقرارات الإيداع بالسجن في حقهم، كل ذلك مع استمرار التضييقات عليهم والتحريض ضدهم.

 

ويستقبل الصحفيون سنة جديدة (بتقويم حرية الصحافة) وزملائهم يقبعون خلف القضبان بسبب ممارسة لمهنتهم، ولا يزال 4 صحفيين/ات وإعلاميين/ات هم شذى الحاج مبارك ومراد الزغيدي وسنية الدهماني وبرهان بسيس يقبعون في السجون. 

 

كما أصدرت المحاكم التونسية خلال هذه السنة 10 أحكام بالسجن تم تنفيذ 6 منها وحكم بتأجيل التنفيذ في حين بقيت 3 أحكام أخرى في الطور الاستئنافي. كما سجلت النقابة خلال هذه الفترة 167 اعتداء على الصحفيين/ات، والمراسلين/ات الصحفيين/ات والمصورين/ات، وتواصلت سياسة الانغلاق التي تعتمدها السلطة السياسة في وجه وسائل الإعلام خاصة من قبل رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب ورئاسة الحكومة والوزارات الراجعة لها بالنظر، فتم منع الصحفيين/ات من العمل ومطالبتهم بتراخيص غير منصوص عليها بالقانون وحجب المعلومات عنهم والتضييق على حقهم في النفاذ إلى المعلومات.

 

واتسمت هذه الفترة بتواصل التهديدات والتحريض على الصحفيين/ات خاصة في الفضاء الافتراضي وهو ما خلق مناخا خطرا وغير آمن للصحفيات والصحفيين في ظل تحدى كبير لضمان أمنهم وسلامتهم. وقد كان لهذا الوضع تأثير كارثي على النقاش العام والحياة الديمقراطية ومساهمة المواطنين والمواطنات في الشأن العام، واختفاء النقاش التعددي والتنوع والاختلاف في المشهد العام، وساهم كل ذلك في انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة وجعل المجال العام خاضعا لرواية واحدة وهي الرواية الرسمية.

 

إن التغييب الممنهج للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري كان له أثر واضح على التراجع الخطير في جودة المضامين الإعلامية، وعودة الاعلام العمومي إلى بيت الطاعة، فضلا عن ارتفاع عدد الملاحقات القضائية في غياب الدور التعديلي وعلى مستوى التعاطي الإعلامي مع مختلف القضايا وخاصة منها المحاكمات وتغطية الفترة الانتخابية خاصة أن تونس شهدت رابع انتخابات رئاسية ما بعد ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي. لقد بات من الواضح إصرار السلطة السياسة على تضييق الخناق على حرية التعبير والتشفي من كل مؤسسة إعلامية أو صحفي يقوم بدوره ويتحمل مسؤوليته المجتمعية في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، والخوض في مواضيع تهم الرأي العام. 

 

ويهم النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أن تنبه إلى خطورة تواصل استعمال القضاء لاستهداف حرية التعبير في تونس، باستعمال المرسوم 54 لسنة 2022 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال. وكانت النقابة قد تقدمت عبر مجموعة من النواب بمقترح تعديله ومقترح مشروع قانون خاص بحرية الاتصال السمعي البصري وبتنظيم هيئة الاتصال السمعي البصري وضبط اختصاصاتها. لكن كل المؤشرات غير مطمئنة فرئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة عطل لأكثر من سنة تمرير مشروع تعديل المرسوم 54 للجنة المختصة متعسفا في استعمال وظيفته، ومصادرا لحق النواب في التشريع، وضاربا بدستور البلاد وتشريعاته والنظام الداخلي للمجلس عرض الحائط. 

 

وحين أفرج عن مقترح التنقيح من مكتب المجلس بعد ضغط نيابي ومدني وشعبي حاول رئيس المجلس مرة اخرى استدامة أزمة مقترح التنقيح وتحويلها من مسؤوليته إلى مسؤولية لجنة التشريع العام وأحاله إليها وبشكل غير مسبوق رفقة عشرة مقترحات تنقيح بهدف إغراق عمل اللجنة مما سيخلق داخلها مشاكل تتعلق بزمن التعاطي معها، ومشاكل في ترتيب أولويتها، في سيناريو خبيث ومفضوح يمكن ان يضرب ما تبقى من الثقة بالمؤسسة التشريعية.

 

كما تتواصل خلال الفترة نفسها، سياسة تهميش مهنة الصحافة مؤسسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتعميق أزمتها وتفقير منتسبيها في غياب تام للدور الرقابي لمؤسسات الدولة على هشاشة التشغيل في القطاع وغض الطرف عن الحيف الاقتصادي الذي يعيشه مئات الصحفيين والصحفيات والبطالة القسرية التي يواجهونها إضافة إلى الأجور المتدنية وغياب التغطية الاجتماعية وحالات الطرد التعسفي وعدم صرف الأجور. وتعتبر النقابة أن حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين ضمانة أساسية لتكريس إعلام مستقل ذي جودة ومصداقية يقوم على التنوع وخلق نقاش عام لخدمة مصلحة البلاد وضمان مساهمة كل المواطنين والمواطنات في ذلك.

 

إن النقابة الوطنية للصحفيين ستواصل تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الحريات الأساسية لكل التونسيين والتونسيات وخاصة حرية الصحافة والتعبير وحقهم الدستوري في النفاذ إلى معلومات ذات جودة وذات مصداقية في ما يتعلق بالشأن العام، بعيدا عن التضليل والتزييف والمغالطات، وحق الصحفيات والصحفيين في العيش الكريم وفي العمل بمنأى عن الترهيب والضغوط عبر تشريعات تحميهم وتحمي حريتهم، وقضاء مستقل ونزيه، متشبع بقيم الحرية، يحترم هذه القوانين ويطبقها. 

 

وضع حرية الصحافة في تونس

 

 

شهد التعامل مع حرية الصحافة في تونس خلال السنة المنقضية المشمولة بالتقرير (من 1 أفريل 2024 إلى 1 أفريل 2025) انحرافات عميقة خاصة في علاقة بحماية الحقوق والحريات، حيث سجلت النقابة 167 اعتداء وهي النسبة الأقل منذ 5 سنوات في علاقة بمسألة أمن وسلامة الصحفيين/ات.

 

كما تواصل استعمال القضاء كسيف يسلط على الصحفيين عبر إثارة الدعوى في حق الصحفيين/ات في 32 مناسبة خارج إطار القانون المنظم لمهنتهم وتواصل سياسة الانغلاق والقصور في السياسة الاتصالية للجهات الرسمية بتواتر حالات المضايقات والمنع وحجب المعلومات وتواصلت خلال الفترة التي يشملها التقرير الرقابة المسبقة على المحتويات المنشورة والصنصرة. 

حيث تطور عدد الاعتداءات خلال السنوات الخمس الأخيرة: 

السنة 2021 2022 2023 2024 2025
عدد الاعتداءات 200 214 257 211 167

التوصيات العامّة

 

على ضوء متابعتها لواقع الحريات الصحفية في تونس خلال هذه السنة، يهم النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أن تتوجه بالتوصيات التالية لكل الأطراف المعنية بقطاع الإعلام في تونس : 

1. رئاسة الجمهورية:

  • العمل على تعزيز حماية حرية التعبير والصحافة عبر مبادرات تشريعية تراعي التزامات تونس بحماية الصحفيين وتضمن مكتسبات الحرية التي كرسها الدستور التونسي.
  • ضمان تمتع كل وسائل الإعلام على قدم المساواة بالحق في الحصول على المعلومات والحضور في التظاهرات ذات الطابع الوطني والدولي واحترام مبادئ التنوع والتعدد في وسائل الإعلام كمقوّم من مقومات الديمقراطية والشفافية.
  • الانفتاح على المنظمات والهياكل المهنية في اتجاه تطوير السياسات العمومية الخاصة بالإعلام والعمل المشترك معها من أجل تجاوز أزمة قطاع الإعلام الهيكلية والاقتصادية والاجتماعية.

 

2.مجلس نواب الشعب:

  • إعادة فتح الولوج إلى مجلس نواب الشعب لكافة الصحفيين/ات وممثلي وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية والقطع مع الممارسات المعيقة لحق الصحفيين/ات في الحصول على المعلومة البرلمانية وإحياء عمل المركز الإعلامي المخصص للصحفيين/ات والمصورين/ات الصحفيين/ات لمباشرة عملهم/ن.
  • احترام علنية جلسات اللجان وتمكين الصحفيين/ات من تغطية نقاشات مشاريع القوانين في إطار دعم شفافية العمل البرلماني والرقابة على حسن سير عمل مجلس نواب الشعب.
  •   اعتماد مقاربة تشاركية في العمل على القوانين ذات الصلة بحرية التعبير وحرية الصحافة واعتبارها أولوية لدعم قطاع الإعلام وحسن تنظيمه وتعديله.

– التسريع بالنظر في المبادرة التشريعية التي تم إحالتها على لجنة التشريع العام لتعديل المرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال في اتجاه إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر على الانترنات والاكتفاء بالتشريع الجاري به العمل في الخصوص والمرتبط أساسا بحرية النشر وتحديدا المرسوم 115 المنظم لحرية الصحافة والطباعة والنشر.

– مراجعة طبيعة الإحالة لمشروع تعديل المرسوم عدد 54 ، ومقترح قانون أساسي يتعلق بحرية الإتصال السمعي البصري وبتنظيم هيئة الإتصال السمعي البصري وضبط إختصاصاتها، وتصحيح المسار الإجرائي بإحالتها للجنة المختصة طبق مقتضيات الفصلين عدد 123 و 49 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب

3. رئاسة الحكومة:  

  • تركيز آلية وطنية دائمة ومستقلة لرصد الاعتداءات المسلطة على حريّة الصحافة وحريّة التعبير لضمان الإنصاف والعدالة.
  • تعديل السياسة الاتصالية الخاصة بها في اتجاه الانفتاح على كل وسائل الإعلام على قدم المساواة وتجاوز كل الإخفاقات المسجلة خاصة خلال تنقل المسؤولين الحكوميين إلى مختلف الولايات ووضع آلية للاتصال تعتمد اللامركزية وتضمن التعدد والتنوع بين وسائل الإعلام.
  • إيقاف العمل بكل المناشير والمذكرات الداخلية (المنشور 4، المنشور 19) التي تضع عوائق غير مشروعة أمام التداول الحر للمعلومات.

 

4. الجهات القضائية:

  • إيقاف إحالة الصحفيين/ات والعاملين في وسائل الإعلام على معنى المرسوم 54 المتعلق بمكافحة جرائم المعلومات والاتصال وجعل الفصل 24 منه فصلا مهجورا في انتظار إتمام النظر في مبادرة تعديله.
  • إيقاف إحالة الصحفيين على معنى قوانين زجرية تكرس عقوبات سالبة للحرية وخارج إطار القانون المنظم لحرية التعبير والصحافة والنشر المرسوم 115.
  • مراجعة القرارات القضائية السالبة للحرية بالنسبة للصحفيين خلال الأطوار الابتدائية والاستئنافية والتأسيس لفقه قضاء منفتح في مجال احترام حرية التعبير.
  • اعتماد مجلس الصحافة كمستشار ومرجع في القضايا المتعلقة بالنشر في وسائل الإعلام خاصة الالكترونية والمكتوبة باعتبار أنّ مهنة الصحافة هي مهنة تنظمها أعراف وأخلاقيات مهم أن يكون القضاء ملم بها.

 

5. الجهات السياسية والمدنية: 

  • الوقوف صدا منيعا أمام محاولات وضع اليد على وسائل الإعلام ومناصرة جهود الصحفيين/ات والقطاع في القطع مع التضييق عليه وضمان حرية العمل الصحفي وحرية التعبير.

 

التقرير السنوي لواقع الحريات الصحفية في تونس لسنة 2025

الملخص التنفيذي للتقرير 

التقرير  السنوي 

 

النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين