النقابة تنظّم لقاءً حواريا حول دور الصحفيين في اقتصاد الإعلام

نظّمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025، لقاءً حواريًا بعنوان «الصحفيون فاعلون في اقتصاد الإعلام»، وذلك بفندق البلفيدير بالعاصمة تونس، بمشاركة عدد من الصحفيين/ات، الأكاديميين، والخبراء في مجالات الإعلام، الجباية، الاستثمار وريادة الأعمال.

ويأتي هذا اللقاء في سياق التحوّلات العميقة التي يشهدها قطاع الإعلام، وحرص النقابة على فتح نقاش معمّق حول موقع الصحفيين/ات كفاعلين ومبادرين في اقتصاد إعلامي متغيّر، خاصة في ما يتعلّق بتمويل المؤسسات الصحفية الناشئة، ووضعية الصحفي المستقل، ونظام المبادر الذاتي، ودور التكوين والريادة في بناء مشاريع صحفية مستقلة وقابلة للاستدامة.

الجلسة الأولى: تشخيص التحوّلات وبناء الإطار النظري

افتُتحت أشغال اللقاء بكلمة تأطيرية ألقاها زياد دبار، نقيب الصحفيين التونسيين، تطرّق خلالها إلى الصعوبات التي تعاني من وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة عمومية والخاصة والجمعياتية   وأكّد في كلمته على أهمية التفكير الجماعي في مستقبل المهنة، وضرورة انخراط الصحفيين/ات بفاعلية في النقاشات المتعلقة باقتصاد الإعلام ونماذج الاستدامة الجديدة.

وتلت ذلك مداخلة قدّم خلالها الصادق الحمامي، أستاذ الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، دراسة بعنوان «الصحفيون فاعلون مبتكرون في اقتصاد إعلامي متحوّل»، تناول فيها التحوّلات البنيوية التي يشهدها المشهد الإعلامي، وانتقال الصحفي من مجرّد منتج للمحتوى إلى فاعل اقتصادي قادر على الابتكار وبناء نماذج إعلامية جديدة، قبل أن يُفتح باب النقاش مع الحضور.

تأتي هذه الدراسة في ظرفية حاسمة لتشخص واقع المهنة الصحفية في تونس أمام تحديات “البيئة الرقمية المضطربة”، وتقدم خارطة طريق للتحول من “الصحفي الأجير” إلى “الصحفي المبادر”.

أهم مرتكزات الدراسة ونتائجها:

  1. أزمة النموذج الاقتصادي التقليدي: تخلص الدراسة إلى أن اعتماد المؤسسات الإعلامية التونسية على نماذج التمويل الكلاسيكية (الإشهار والتمويل العمومي) لم يعد كافيا لضمان الاستدامة أو الاستقلالية، خاصة مع صعود “اقتصاد المؤثرين” وزيادة هيمنة المنصات الرقمية الكبرى.
  2. الفجوة المعرفية: كشف استطلاع الرأي (شمل 100 صحفي) عن نقص حاد في الثقافة الاقتصادية لدى الصحفيين، مما يعيق قدراتهم على فهم آليات السوق الجديدة أو إدارة مشاريع إعلامية مستقلة تضمن لهم الأمان المادي.
  3. الصحفي المبادر (Entrepreneurial Journalism): تطرح الدراسة هذا المفهوم كحل استراتيجي، حيث لم يعد دور الصحفي مقتصرا على إنتاج المحتوى، بل يمتد ليشمل ابتكار نماذج عمل اقتصادية (مثل الاشتراكات الرقمية، التمويل الجماعي، والخدمات الإعلامية المتخصصة) لضمان استقلالية قراره التحريري.
  4. تحدي الذكاء الاصطناعي والجمهور الجديد: تحذر الدراسة من الفجوة بين الصحافة التقليدية و”الجيل الجديد” من الجمهور، وتدعو إلى ضرورة استيعاب تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس كأداة تقنية فحسب، بل كعنصر جوهري في إعادة تشغيل غرف الأخبار.

نصّ الدراسة «الصحفيون فاعلون مبتكرون في اقتصاد إعلامي متحوّل» عبر هذا الرابط

بالفيديو الجلسة الأولى الافتتاحية على صفحة نقابة الصحفيين التونسيين بالفيسبوك عبر هذا الرابط.

صور الجسلة الافتتاحية على صفحة نقابة الصحفيين التونسيين بالفيسبوك عبر هذا الرابط.

الجلسة الثانية: آليات تمويل المؤسسات الصحفية الناشئة

خُصّصت الجلسة الثانية لموضوع آليات تمويل المؤسسات الصحفية الناشئة، وأدارها الصحفي مالك الخالدي.

وفي هذا الإطار، قدّم إسكندر السلامي، مستشار جبائي وكاتب صحفي، مداخلة حول وضعية الصحفي المستقل ونظام المبادر الذاتي، استعرض فيها الإطار القانوني والجبائي، شروط الانتفاع، الإجراءات العملية، إلى جانب أبرز النقائص والإشكاليات التي يواجهها الصحفيون/ات في هذا النظام.

مضمون المداخلة في ثلاث نقاط:

  1. الوضع القانوني: تصنيف الصحافة كمهنة “حرة” فكرية، مما يخول للصحفي المستقل قانونا الانضواء تحت نظام “المبادر الذاتي” للخروج من العمل غير المنظم إلى إطار قانوني رسمي.
  2. الحوافز الاقتصادية والاجتماعية:
    • الجباية: نظام ضريبي مبسط يدمج الضريبة مع المساهمة في التغطية الاجتماعية (CNSS).
    • التمويل: الحق في الحصول على قروض ميسرة عبر البنك التونسي للتضامن (تصل لـ 15 ألف دينار، بنسبة فائدة 0.5%، مع سنتي إمهال).
  3. العوائق التقنية والإدارية: سجلت المداخلة صعوبات في التطبيق الفعلي، منها غياب قائمة مرجعية واضحة للأنشطة الصحفية بالمنصة الإلكترونية، وعدم إلمام بعض المصالح المالية بخصوصية هذا النظام للصحفيين، مما يتطلب مرافقة نقابية لتذليل هذه العقبات.

الخلاصة: نظام المبادر الذاتي هو أداة قانونية أساسية لحماية الصحفي المستقل اقتصادياً واجتماعياً، بشرط تكييف الإجراءات الإدارية مع خصوصية المهنة.

وثيقة المداخلة التي أعدّها المستشار الجبائي والكاتب الصحفي اسكندر السلامي عبر هذا الرابط.

كما تطرّق محمد الورتتاني، خبير في الاستثمار، إلى آليات دعم المبادرة الخاصة للصحفيين، مبرزا سبل المساندة والإحاطة والاستثمار، وأهمية مرافقة المشاريع الصحفية منذ مراحلها الأولى لضمان استدامتها.

من جهته، تناول محمد علي النهيدي، مدير مركزي بالبنك التونسي للتضامن، دور آليات التمويل العمومي في مساعدة الصحفيين/ات على إنشاء مؤسساتهم الصحفية، مقدّما البنك التونسي للتضامن كنموذج داعم للمبادرات الصغرى والناشئة.

كما قدّمت يسرى الصغير، أستاذة الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، مداخلة حول الطالب المبادر، ركّزت فيها على دور التكوين الأكاديمي في خدمة المبادرة الذاتية الصحفية، وأهمية إدماج ثقافة الريادة في المسارات الجامعية.

ملخص المداخلة: الطالب المبادر ورهان التكوين

تركز المداخلة على تحويل الجامعة من فضاء للتحصيل العلمي التقليدي إلى حاضنة للمشاريع المبتكرة، من خلال نظام “الطالب المبادر” (SNEE):

  1. مأسسة ثقافة المبادرة:
  • إدماج روح ريادة الأعمال في المسارات الجامعية لطلبة الصحافة، بحيث لا ينتظر الطالب التخرج للبحث عن شغل، بل يبدأ في بناء مشروعه الإعلامي الخاص وهو لا يزال في مرحلة الدراسة.
  1. الامتيازات الأكاديمية والمهنية:
  • المرافقة (Accompagnement): توفير إحاطة مشخصنة للطالب عبر مرشدين أكاديميين ومهنيين لتطوير فكرته.
  • المرونة الأكاديمية: إمكانية تعويض مشروع التخرج التقليدي بـ “مشروع مبادر”، مع توفير مرونة في الحضور والامتحانات للتفرغ للمشروع.
  • الربط بالشبكات (Réseautage): فتح الآفاق أمام الطلبة للتواصل مع المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية والمنظمات المهنية (مثل نقابة الصحفيين).
  1. دور التكوين في خدمة المبادرة الذاتية:
  • التأكيد على ضرورة تطوير مهارات “ناعمة” (Soft Skills) لدى طلبة الصحافة، مثل إدارة المشاريع، البحث عن التمويل، والتسويق الرقمي، ليكون الطالب قادراً على إدارة منصته المستقلة مستقبلاً.
  1. قصص نجاح وتطبيقات عمليّة:
  • استعرضت الوثيقة نماذج لمشاريع طلابية (مثل مشروع SkyHarvest) تدمج بين البعد البيئي والاتصالي، كدليل على قدرة الطالب على الابتكار إذا توفر له الإطار القانوني والمواكبة الجامعية.

الخلاصة: ترى الأستاذة يسرى الصغير أن نظام “الطالب المبادر” هو الحجر الأساس لبناء جيل جديد من الصحفيين “المبتكرين” الذين يمتلكون أدواتهم الخاصة، وهو ما يتناغم مع توجهات النقابة في دفع الصحفيين نحو الاستقلالية الاقتصادية منذ مرحلة التكوين.

واختُتمت الجلسة بنقاش مفتوح مع المشاركين/ات.

وثيقة المداخلة التي أعدّتها يسرى الصغير، أستاذة الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، حول الطالب المبادر عبر هذا الرابط.

 

بالفيديو الجلسة الثانية على صفحة نقابة الصحفيين التونسيين بالفيسبوك عبر هذا الرابط.

 

الجلسة الثالثة: ماستر كلاس – كيف تنشأ مؤسسة صحفية؟

تضمّنت الجلسة الثالثة ماستر كلاس حول كيفية إنشاء مؤسسة صحفية، قدّمه ماهر القلال، خبير في إنشاء الشركات الناشئة، وأدار الجلسة الصحفي عادل الرياحي، وتخلّلها نقاش مع الحضور.

 

تركّز المداخلة على كيفية تحويل العمل الصحفي إلى “بيزنس” مستدام من خلال خمس مراحل أساسية:

  1. مرحلة الفكرة والاستكشاف (Discovery):
  • تحديد المشكلة: لا تبدأ بالحل، بل ابحث عن “فجوة” أو مشكلة يعاني منها الجمهور في استهلاك الأخبار.
  • دراسة السوق: فهم الجمهور المستهدف واحتياجاته بدقة قبل استثمار أي مليم.
  1. بناء “المنتج الأدنى القابل للعرض” (MVP):
  • بدلاً من إطلاق موقع إخباري كامل ومكلف، ابدأ بنسخة بسيطة (مثل نشرة بريدية أو منصة متخصصة) لاختبار مدى تقبل الجمهور للمحتوى.
  • الهدف هو التعلم السريع بأقل التكاليف.
  1. التحقق من “الملاءمة” (Product-Market Fit):
  • التأكد من أن المحتوى الصحفي الذي تقدمه يلبي فعلياً حاجة لدى الجمهور تدفعه للمتابعة أو الدفع.
  • التركيز على “القيمة المضافة” التي تميز مؤسستك عن بقية وسائل الإعلام التقليدية.
  1. نموذج الإيرادات (Revenue Model):
  • تحديد كيف ستجني المؤسسة المال؟ (اشتراكات، إعلانات متخصصة، محتوى مدعوم، أو خدمات استشارية إعلامية).
  • التأكيد على تنويع مصادر الدخل لضمان الاستمرارية.
  1. المرونة والنمو (Pivot & Scale):
  • القدرة على تغيير التوجه (Pivot) إذا أثبتت التجربة أن الفكرة الأولية غير مربحة.
  • استخدام الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف التشغيلية في البداية.

الرسالة الجوهرية: يرى ماهر القلال أن الصحفي اليوم يجب أن يفكر كـ “رائد أعمال فردي”؛ يمتلك الحد الأدنى من المهارات التقنية والتسويقية والمحاسبية ليدير مؤسسته بنفسه في مراحلها الأولى، قبل التوسع.

وثيقة مداخلة ماهر القلال، خبير في إنشاء الشركات الناشئة، عبر هذا الرابط.

بالفيديو الجلسة الثالثة على صفحة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عبر هذا الرابط.

صور  الجلسة الثانية والثالثة على صفحة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عبر هذا الرابط.

 

الرسالة الختامية للقاء: إن مستقبل الصحافة في تونس رهين بقدرة الصحفيين على امتلاك أدوات الإنتاج والابتكار الاقتصادي. فالصحفي لم يعد مجرد صانع خبر، بل هو “مبادر ذكي” يستثمر في التكنولوجيا والمعرفة لاستعادة ثقة الجمهور وضمان ديمومة رسالته النبيلة.

 

إعداد ومتابعة المكلفة بالإعلام والاتصال يسرى رياحي